اجتمع مسؤولون رفيعو المستوى من الولايات المتحدة والصين، اليوم الإثنين، في العاصمة البريطانية لندن، في محاولة لنزع فتيل نزاع تجاري متصاعد بين البلدين، والذي تجاوز تبادل الرسوم الجمركية ليشمل فرض قيود على صادرات المعادن النادرة، ما يهدد باضطراب سلاسل التوريد العالمية وإبطاء وتيرة النمو الاقتصادي على مستوى العالم.
مفاوضات أمريكية صينية في لندن
انعقد الاجتماع في قصر "لانكستر هاوس" الفخم، في إطار السعي لتنفيذ الاتفاق المبدئي الذي توصّل إليه الطرفان في جنيف الشهر الماضي، والذي ساهم مؤقتًا في تخفيف حدة التوتر بين واشنطن وبكين، وفقا لرويترز.
لكن منذ ذلك الاتفاق، اتهمت الولايات المتحدة الصين بالتلكؤ في تنفيذ تعهداتها، ولا سيما ما يتعلق بشحنات المعادن النادرة الحيوية لقطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والدفاع.
وقال كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي الأمريكي ومدير المجلس الاقتصادي الوطني، إن الوفد الأمريكي يهدف إلى تحقيق مصافحة فعلية مع الجانب الصيني بخصوص هذه المعادن، وذلك عقب محادثة هاتفية جرت بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ الأسبوع الماضي.
وأضاف هاسيت في مقابلة مع شبكة CNBC: "الهدف من اجتماع اليوم هو ضمان الجدية في المفاوضات، ونتوقع أنه فور التوصّل إلى مصافحة، سيتم تخفيف القيود على التصدير، بما يسمح بإطلاق كميات ضخمة من المعادن النادرة للأسواق".
وتأتي هذه المفاوضات في توقيت بالغ الحساسية لكلا الاقتصادين، ففي الصين، تراجع نمو الصادرات إلى أدنى مستوى خلال ثلاثة أشهر في مايو، كما سجّل مؤشر أسعار المنتجين أكبر انكماش له منذ عامين، وفي المقابل، تسببت الحرب التجارية في الولايات المتحدة في تراجع ثقة المستهلكين والشركات، وساهمت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، بفعل ارتفاع غير مسبوق في حجم الواردات التي تم طلبها مبكرًا لتفادي زيادات متوقعة في الرسوم الجمركية.
ورغم أن سوق العمل الأمريكية ما تزال متماسكة نسبيًا، فإن التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن آثار الحرب التجارية ستتعمق تدريجيًا مع دخول الصيف، خاصة على صعيد التضخم وأسعار السلع.
ويشارك في المحادثات الجارية في لندن كل من وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، والممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير، بينما يقود الوفد الصيني نائب رئيس مجلس الدولة، هي ليفينج.
ويُعد إدراج لوتنيك في المفاوضات أمرًا لافتًا، باعتبار أن وزارته مسؤولة عن ضوابط التصدير الأمريكية، وهو ما يعكس الأهمية المحورية التي تمثلها قضية المعادن النادرة في هذه المحادثات، فالصين تحتكر بشكل شبه كامل سوق مغناطيسات المعادن النادرة، التي تُستخدم في تصنيع محركات السيارات الكهربائية، والمعدات الإلكترونية الدقيقة.
تجدر الإشارة إلى أن لوتنيك لم يشارك في مفاوضات جنيف التي تمخضت عن اتفاق مؤقت مدته 90 يومًا، يقضي بإلغاء بعض الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها الطرفان على سلع متبادلة.
مكالمة ترامب وبينج
يُعقد هذا الاجتماع بعد أربعة أيام فقط من المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج، وهي أول محادثة مباشرة بينهما منذ تولي ترامب الرئاسة مجددًا في يناير، وخلال المكالمة التي استغرقت أكثر من ساعة، طالب شي نظيره الأمريكي بالتراجع عن الإجراءات التجارية التي قال إنها أضرت بالاقتصاد العالمي، محذرًا من اتخاذ خطوات تهديدية تجاه تايوان.
في المقابل، قال ترامب عبر منصات التواصل الاجتماعي إن المحادثة أسفرت عن نتيجة إيجابية للغاية، ما مهد الطريق لانعقاد اجتماع اليوم في لندن.
وفي اليوم التالي، أعلن ترامب أن الصين وافقت على استئناف شحنات المعادن النادرة ومكوناتها المغناطيسية إلى الولايات المتحدة.
تعليق صادرات المعادن الحيوية
كان قرار الصين في أبريل بتعليق صادرات واسعة من المعادن الحيوية قد أدى إلى اضطراب شديد في سلاسل التوريد العالمية، لا سيما لشركات صناعة السيارات والطائرات وأشباه الموصلات والمقاولات الدفاعية.
وفي تصريحات لبرنامج "صنداي مورنينج فيوتشرز" على قناة فوكس نيوز، قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن الولايات المتحدة تأمل في البناء على التقدم الذي تحقق في جنيف، والانتقال لاحقًا إلى مفاوضات تجارية أكثر شمولًا.
وقد أسهم اتفاق جنيف المبدئي في تهدئة الأسواق، إذ استعادت المؤشرات الأمريكية جزءًا كبيرًا من خسائرها، بعدما كانت قد اقتربت من مستويات "السوق الهابطة"، فعلى سبيل المثال، تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 18% في أبريل بعد فرض ترامب رسومًا جمركية شاملة في "يوم التحرير"، لكنه بات الآن أقل بـ2% فقط عن أعلى مستوياته المسجلة في فبراير الماضي، وذلك بفضل الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين.
مع ذلك، لم يعالج الاتفاق المؤقت الملفات الشائكة الأخرى التي تؤثر في العلاقة الثنائية، مثل تجارة الفنتانيل غير المشروعة، وقضية تايوان، والنموذج الاقتصادي الصيني القائم على التصدير والموجه من الدولة، وهي قضايا لا تزال تثير قلق الإدارة الأمريكية.
يُذكر أن الحكومة البريطانية تستضيف هذه الجولة من المحادثات لكنها لا تشارك فيها بشكل مباشر، بل تعتزم عقد مفاوضات ثنائية منفصلة مع الوفد الصيني في وقت لاحق من الأسبوع.
وفي سياق ترقّب الأسواق لنتائج المحادثات، سجّل الدولار تراجعًا أمام العملات الرئيسية يوم الاثنين، فيما ظلت أسعار النفط مستقرة دون تغير يُذكر.